فتاة صغيرة هى… كأى فتاة فى مثل عمرها; تحب الحياة بكل ما فيها وتقبل عليها كاقبال قطرة المطر على الأرض
تجدل ضفائرها فى ضوء الشمس نهارا وترسم بعينيها أجمل اللوحات فى السماء ليلا
فى يوم من الأيام, وبينما هى تطارد الفراشات على ضفة النهر, رأت فتاة تكبرها ببضع سنوات تحمل فى يديها قفصا ذهبيا صغيرا بداخله أجمل طائر وقعت عليه عيناها حتى الأن… ياله من طائر رائع بحق!!! فهو يخطف الأنظار بألوان ريشه المتداخلة وتلك النظرة الودودة فى عينيه وصوته الحنون الذى لم تسمع مثله من قبل. وفى تلك الليلة, والنوم يداعب جفونها, قررت أن تمتلك واحدا… فصورته لم تفارق مخيلتها طوال اليوم
استيقظت فى الصباح الباكر عازمة على تنفيذ القرار الذى اتخذته بالأمس. وفى طريقها الى محل الطيور, أخذت تتخيل نفسها وهى تلعب مع طائرها الصغير.. ولكن حلمها لم يستمر طويلا فسرعان ما تبدد عندما فتح البائع فمه قائلا: "لا.. لا يوجد عندنا مثل هذا النوع من الطيور الذى تصفينه!" بالرغم من ذلك لم يتملكها اليأس فقد قررت الذهاب الى محل ثان وثالث ورابع, وفى كل مرة كانت كلمة لا هى الاجابة الوحيدة لنظراتها المستجدية
ما هذا الحظ العاثر؟!! من أين تحصل على ذلك الطائر؟.. وما كاد أن يدفعها الى الجنون بحق أثناء جولتها التى شغلت اليوم بأكمله هو أنها رأت الكثير من الأشخاص يحملون فى أيديهم أقفاص ذهبية بداخلها مثل ذلك الطائر الذى تريده!! من أين يأتون به؟! استجمعت شجاعتها وقررت أن تسأل رجلا منهم.. كان جالسا على باب منزله يتأمل طائره بسعادة. سألته بنبرات أوشكت على البكاء من أين اشترى هذا الطائر… رد عليها غير مباليا: " لا أعلم حقا.. فلقد استيقظت يوما من نومى ووجدته على باب منزلى!!" بالطبع لم تصدقه, ولكن ذلك الشك فى قلبها الصغير تبخر عندما تكررت تلك الاجابة من أكثر من شخص
لم تستطع قدرتها على التحمل أن تصمد أكثر من ذلك.. جلست على أحد جوانب الطريق وأجهشت فى البكاء وكأنها نهاية العالم!! "لماذا أنا؟! لماذا لا يكون لى واحدا؟! لماذا يستمتع الجميع بجماله وصوته العذب الذى يتخلل القلوب وأنا لا؟ لماذا اتعذب برؤيته فى يد غيرى؟.. هذا ليس عدلا!! هذا ليس عدلا!!" وبينما هى غارقة غى تلك الأفكار, شعرت بيد حانية تربت على كتفها.. أجفلت ونظرت الى صاحب تلك اليد فوجدته رجلا عجوزا لحيته البيضاء تغطى أكثر وجهه الملىء بالتجاعيد... تلك الخطوط التى خطها الزمن بحبر ثابت. شىء ما فى مظهره جعلها تطمئن اليه وتسمح له بأن يجلس بجانبها
لماذا تبكين أيتها الصغيرة؟.. أبسبب ذلك الطائر الذى يمتلكه الجميع؟" نطق العجوز بتلك الكلمات بصوت استطاعت أن تستشعر الحكمة بين ثناياه… هزت رأسها بالايجاب وفى عينيها علمات الدهشة. " أتعتقدين أنه طائر بحق؟" تملكت الدهشة كل جزء منها وهى تقول: "ماذا تعنى؟"… حرك العجوز يده ببطء وكأنه تمثال حجرى ثم مدها الى جيبه وأخرج طائرا!!.. طائرا مثل ذلك الذى ذرفت كل دموعها عليه!! أمسك العجوز بيدها ووضع الكائن الصغير فيها… ولكن ما تلك البرودة؟! تحسست الطائر برفق ولكن لم تشعر بشىء.. أنه لا يتحرك!.. أيقنت أن هذا الشىء فى يديها لا ولم تتواجد به الحياة قط
أنه ليس حقيقيا!!" صاحت مستنكرة… فأجابها بصوته الهادىء: "وكذلك جميع الطيور التى يملكها الأخرون!! أنها مجرد تماثيل.. لعب تصدر منها الأصوات الجميلة مثل تلك التى يمتلكها الأطفال. الطائر الحقيقى يا صغيرتى لا يحتجز فى الأقفاص وأنما يحلق بجناحيه فى السماء.. الطائر الحقيقى هو الذى نرفع روؤسنا من أجل أن نراه… الطائر الحقيقى يكمن بداخلك أنت!!" وهنا تحركت تجاعيد وجهه قليلا, فتوقعت أن هذه الحركة ربما تدل على رغبته فى الابتسام!! ذهبت بنظرها بعيدا مفكرة فى تلك الكلمات وعندما نظرت مرة أخرى الى جانبها لم تجد العجوز… لقد اختفى!! نظرت الى الطائر الجامد فى يديها ثم الى الطريق أمامها وابتسمت… لن تكلف نفسها عناء البحث عنه, فهى تعلم أنها ستقابله مرة أخرى