قصة ولده محمد طاهر مع الأستاذ ممدوح الخياط

وتبدأ المرحلة الصعبة من حياة الشاعر وهي قصة ولده محمد طاهر مع مدرس الرسم ممدوح الخياط , فبعد حصوله على الإعدادية وجد نفسه جنبا إلى جنب مع طلاب حصلوا على الإعدادية العامة في الصف العاشر ولما كان هؤلاء لا يعرفون شيئا عن مادة الرسم الصناعي فكان لابد من تدريسهم هذه المادة اعتبارا من الصفر , كان قسم غير قليل في كل شعبة مثل ابن الشاعر محمد طاهر قد تأسسوا في هذه المادة اعتبارا من الصف السادس وبذلك يكونون قد درسوا هذه المادة مدة أربع سنوات وجاء الأستاذ ممدوح ليضع قوانين ودساتير حازمة لكي يتمكن من خلالها طلاب الشهادة العامة أن يقفزوا قفزة سريعة في هذه المادة كي يصلوا فيها إلى المستوى المطلوب وكان من جملة هذه الإجراءات أن يقوم كل طالب بتفصيل لوحة رسم خشبية خاصة به وأن يهيئ في مسكنه جوا للرسم حيث سيقوم الأستاذ ممدوح بإعطاء الطلاب واجبات رسم منزلية .

كان مثل حملة الإعدادية الصناعية خلال ذلك كمثل طالب ثانوي يضعونه مع صف أول ابتدائي ويعلمونه الحروف الهجائية لأنهم كما ذكرنا أمضوا أربعة أعوام في دراسة هذه المادة وخلال كل عام كانت لا تقل حصص الرسم عن /300/ساعة ويوجد في مدرسة الصناعة قاعات خاصة بالرسم يجلس فيها الطلاب ثلاث ساعات متواصلة .

بدايةً لم يستطع محمد طاهر أن يلبي رغبة الأستاذ ممدوح حتى أنه لم يكن له رغبةً بذلك فمن ناحية أولى لم يكن بحاجة لدروس الرسم المذكورة أصلا ومن ناحية ثانية لم يكن جو البيت في أسرة الشاعر ملائما لذلك فكما ذكرنا كانت عائلة الشاعر تسكن غرفة واحدة وهي غرفة الجلوس والضيافة الطعام وبيت المونة والمطبخ وكل شيء.

أحضر جميع الطلاب لوحاتهم الخشبية عدا محمد طاهر ودخلوا قاعة الرسم وجاء المدرس ممدوح وفتّش على اللوحات وعبثا حاول محمد طاهر أن يقدم له الأعذار ولكنه هاج وماج وغضب وثار ثم قام بطرد محمد طاهر من قاعة الرسم فخرج محمد طاهر من قاعة الرسم

إلى الباحة وكانت المدرسة تتمتع بنظام جيد ودقيق فالموجهون كثيرون وغرفتهم تشرف على الباحة مباشرة لذلك لم تكن لتخفى عليهم مثل هذه الأمور وكانوا سرعان ما يكتشفون أي مخالفة ويقومون بضبطها وردع صاحبها لذلك وعلى الفور كان محمد طاهر في الإدارة وقد أحضره الموجهون بل وأحضروا معه والده الشاعر ورغم قناعتهم بدفاع الشاعر وولده كان لا بد من إقناعهما بضرورة التقيد بتعليمات المدرس وفعلا تم تنفيذ الأمر وأحضر محمد طاهر لوحة خشبية بقيمة 2.5ل.س كانت تكفي العائلة مصروف يوم كامل وحضر بها إلى المدرسة في الحصة المقبلة وأخذ واجب الرسم وقام برسمه في البيت مساء ووضع اللوحة على ظهر النملية حفاظا عليها من عبث إخوته الصغار , كان حسام الدين شقيق محمد طاهر قد حصل على الابتدائية وترك الدراسة بعدها والتفت إلى العمل في مجال البناء باطون وكان يستيقظ قبل الجميع مبكرا ويعد لنفسه الفطور ويذهب إلى عمله قبل استيقاظهم فبعد أن وضع إبريق الشاي على البابور أراد أن يضع الزيتون والجبنة والزيت والزعتر على أي قطعة من البيت يجعل منها مائدة سفرة فلم يقع بين يديه سوى لوحة الرسم الخشبية وعليها اللوحة الكرتونية مثبتة بمسامير كبس وقد أتم رسمها محمد طاهر ليأخذها معه إلى المدرسة , وبعد ساعة من الزمن استيقظ الجميع وقاموا بإعداد الفطور ولكن محمد طاهر فوجئ بمنظر اللوحة وقد رسم عليها قعر إبريق الشاي بالهباب الأسود ومكان وضع كأس الشاي عليها في عدة أماكن دوائر من الشاي ومكان زبدية الزيت مع آثار النقط التي تخلفها قطعة الخبز وأخيرا تم تزيين اللوحة بعدد لا بأس به من بزر الزيتون , كان محمد طاهر يعرف مسبقا أن هذا المصير ينتظر لوحة الرسم ولكنه لم يكن يتوقعه بهذه السرعة فحمل لوحته واتجه بها إلى المدرسة بعد أن غلفها ليخفي منظرها عن أعين النقاد والمعلقين وتحين ساعة حصة الرسم ويذهب محمد طاهر برفقة زملائه الطلبة إلى المرسم مصطحبا لأول مرة لوحته الخشبية وكان لكل طالب طاولة رسم خاصة به تبعد مسافة جيدة عن طاولة غيره وضع الطلاب لوحاتهم أمامهم منتظرين تفتيش المدرس ممدوح الخياط عليها وملاحظاته .

كان محمد طاهر يتوقع غضب المدرس ولكنه كان متفائلا بأنه سيعذره لأنه يعرف عنه وعن والده الشاعر كل أسرار الأسرة ووضعها وكان يتوقع أن يعفى من هذا العمل نهائيا فهو في الحقيقة ليس بحاجة لدروس الرسم كلها لأنه تأسس فيها على يد الأستاذ نور الدين زيناتي. وحضر المدرس ممدوح ووصل بالتفتيش إلى لوحة مجمد طاهر وما إن رآها بهذا الشكل حتى ثار ثورة أكبر وأعظم من الثورة الماضية واتخذ قرارا نهائيا بحرمان مجمد طاهر من حصة الرسم وهكذا كان حيث كان دوام محمد طاهر في المدرسة ينتهي عند بدء مادة الرسم ويبدأ بانتهائها ويتجاوز محمد طاهر صف العاشر والحادي عشر بجدارة ويحصل في الرسم أعلى علامة في الصف وفي الصف الثاني عشر الشهادة الثانوية عام 1963 يتسلم المدرس ممدوح الخياط منصب رئيس الدروس الفنية مدير المعامل ويترك التدريس .

يفرح محمد طاهر في البداية لأنه عاد إلى المدرسة وسمع بمدرس رسم جديد غير ممدوح الخياط وعاد ليتابع الدروس من جديد وقد تفهم المدرس الجديد وضعه وأعفاه من الواجبات المنزلية ولكن ما لم يكن في الحسبان أن المدرس المذكور أصبح أكثر تأثيرا على الطالب محمد طاهر حيث كان من خلال مركزه الجديد يستطيع أن يتحكم بمصير أي طالب صناعي من خلال مادة المعمل والتي يجب أن تتجاوز علامة النجاح فيها 60% وهي مادة مرسبة حتى لو حصل الطالب على العلامات النهائية في كافة المواد فيكفي أن تنقص علامة المعمل علامة واحدة لرسوبه .

وهذا ما حصل للطالب محمد طاهر فقد كان ممدوح الخياط يترأس اللجنة الفاحصة في حرفة الكهرباء عندما دخلها محمد طاهر ليجري فحص المقابلة والتي تحتل قسما لا بأس به من العلامة الكلية وهكذا فقد تسبب ممدوح الخياط بترسيب ابن الشاعر محمد طاهر سنتين في الشهادة الثانوية وكما يقال بأن الشعر شعور فقد جاشت مشاعر محمد طاهر وأراد أن يعبر لوالده عما لاقاه وعاناه عندما رسب في السنة الأولى بالشهادة الثانوية وهاهو امتحانها يقرع الأبواب للمرة الثانية فخشي من المصير المحتوم ودخل إلى مدير الدروس العلمية الأستاذ أنور نيازي وشرح له مخاوفه من المدرس أو بالأحرى المدير ممدوح الخياط فطمأنه المدير أنور ولكنه بقي في قلق وخوف من مكائد ممدوح الخياط فأنشد يقول لوالده الشاعر:

يا ابن المكـارم قمـة الأدب فرّج بربـك من لظى كربي

فالخـوف والأوجاس تقلقني وعسـى أحقق منتهى أربي

كلمت يا والدي المدير على هذي الأمور فجدّ في طلبي

واهتـمّ لكن نحن في خطـرٍ هـلا تداركتنـا فأنت أبـي

ويسرّ الشاعر لهذه المفاجأة التي لم يكن يتوقعها من ولده فهي بشارة جميلة رغم أنّ ظرفها سيء وحاول الشاعر إدراك ولده وإنقاذه من الرسوب الثاني دون جدوى فبالرغم من طمأنة المدير نيازي والمدرسين والموجهين له فقد بقي منقبضا وكأنه يعرف نتيجة ولده مسبقا وفعلا يرسب ولده للمرة الثانية فيريد الشاعر أن يبعده عن جو الحزن والأسى فيتفق مع صهره طاهر علعل وإخوته على اصطحاب محمد طاهر وحسام الدين معهم إلى لبنان للعمل