حكاية عربية البيك

وفي الحقبة ذاتها توفي أحد أقرباء الشاعر واسمه يوسف البيك وكما ذكرنا أن جد الشاعر اسمه علي بيك ثمّ لقّب بالعقاد وهو نفسه جدّ المتوفى يوسف البيك والمقصود هنا بالجد القريب وليس البعيد أي والد الوالد وهذه هي قرابة الشاعر ليوسف البيك أي يمكن أن تكون أبناء عم , كان للمتوفى شقيقة وحيدة وكانا يسكنان لوحدهما في منزل كبير رحب واسع جدا في القيمرية حي النوفرة مقابل قهوة النوفرة , بعد وفاة شقيقها لجأت إلى أقاربهما وكان أقرب الأقرباء لها هم أبناء عمّها الشاعر وإخوته محمد خير وأحمد موفق ومسلّم وفعلا قام الجميع بواجبهم في وفاة ابن عمهم وقام أبو أكرم بتأمين القبر في مقبرة الدحداح وقدّم الجميع ما يستطيعون من عون ومساعدة وللأمانة أقول دون أي خسارة مالية من أحدهم لأن عربية البيك وشقيقها يوسف البيك كانا في سعة ويسر من ناحية المال حيث ما أعلمه وأعرفه من العقارات التي كانوا يؤجرونها طابقا في شارع بغداد وقد ذهبت إليه فيما بعد وكان له قصة سيأتي مجال بحثها لاحقا, أما عربية البيك فبعد وفاة أخيها أصبحت تحلّ ضيفة على بيوت أبناء عمها وتقيم عند كل واحد منهم عدة أيام ثم تعود لتفقد قططها التي كانت تربيها في بيتها الكبير بدل الأولاد لأنها كانت عانس وقد تجاوزت الثمانين من عمرها وكان الشاعر وإخوته يقدمون لها الترحيب والتأهيل ويساعدوها على السلوان والتصبر في آلام الوحدة بشيخوختها لأنهاكما يقال من رائحة الجدود , ولم أقف على السبب الذي دفعها رغم ما قدمه لها أبناء عمّها من حسن ضيافة واستقبال أن تتقدّم بطلب للمحاكم الشرعية تطلب فيه أن يكفلها أبناء عمها لأنها وحيدة وعاجزة عن طلب الرزق وفعلا تحصل على حكم بذلك من المحكمة الشرعية حيث كان الأشقاء الأربعة هم أقرب الأقرباء لها وكان أول من علم بهذا الأمر هو شقيق الشاعر الذي يصغره بعام واحد وهو محمد خير الملقب أبو أكرم الذي بعد فشل زواجه من بنت /طلب/ تزوج زوجته الحالية وأم أولاده وكان في هذه الأثناء له منها أربعة أولاد وهم أديبة ومحمد أديب ورياض وخالد , قام الشاعر بزيارة أخيه في جوبر حيث كان يقيم فيعمّ السرور بلقاء الأسرتين وكما يحصل بالزيارات عادة الإطمئنانات والاستعلامات عن الأحوال ويتبادل الجميع القصص والأحاديث وكان أبو أكرم قد صوّر أولاده الأربعة أربعة صور للإقامة وصورة كبيرة لتبقى للذكرى ولم يترك الشاعر هذه القصص والأحاديث لتمرّ دون تدوين وتثبيت فكتب فيها قصيدة صغيرة تناول فيها ما سبق شرحه فقال:

هي صورة الأولاد رمز حياتهم *** تبقى على طول المدى تذكارا أنظـر إليهـا باسـما متأمـلا *** وممتّعـا في حسـنها الأنظاراوإلى الإقامة أربع صـورٍ لكم *** أرجو لكـم يسـرا يعمّر دارافهم الحيـاة وهم نماء جهادها *** من أجلهـم أهدي لك الأشعارايا ابن المسـلّم من أخيك تحيةً *** وختـامهـا أدب يريك نهارافي جوبرٍ عبد الحليم مسـطرٌ *9* أبيـاتـه ليـسجل الإنـذاراعربيـةٌ قـد أنذرتنـا كلنـا *** بالحكم هل تبغي به الاضرارا

ويتساءل هنا الشاعر وأنا أيضا أتساءل عن هدف الحكم الذي حصلت عليه عربية من المحكمة الشرعية بصفتهم أقرب الأقرباء وهم ورثتها وهل ينفع هذا الحكم بالوضع الراهن, ولقد توفيت عربية البيك في بيت الشاعر وسط أولاده في الغرفة الوحيدة التي كانت مأوى الأسرة بكاملها فهي غرفة النوم والضيوف والسفرة وحتى المطبخ والحمام وقام أشقاء الشاعر معه بواجبهم تجاهها ودفنت وبما أنهم المعنيين بها فلا بد ومن الطبيعي أن يضعوا يدهم على ممتلكاتها فلم يجدوا سوى بعض الملابس الخلقة والأثاث المهترئ ومبلغا كبيرا جدا من المال ولكن للأسف فإن أوراقه النقدية قديمة جدا وهي باطلة لأنها من عهد السلطان عبد الحميد وأهمّ ما في الأمر هو بيتها الذي كانت تسكنه مع شقيقها فلقد حاول الأشقاء الأربعة أن يستفيدوا من هذا البيت بشكل أو بآخر لعلهم يخرجون من هذه القضية رابحين ويعوضون ما قدّموا من عذاب ومشقة وخسارات مالية ولكنهم فوجئوا بأنهم ليسوا وحدهم الذين يملكون الحق في اقتسام هذا العقار ولما أراد أبو أكرم ملاحقة الموضوع في الطابو والعقارات والمحاكم الشرعية صدم وذهل أمام العدد الضخم من العائلات والأسر الذين لهم الحق في اقتسام هذا البيت ولا مجال لذكر الأمثلة عنهم هنا الآن أعود لأتذكر الحكم الشرعي الذي حصلت عليه عربية البيك آنذاك قبل وفاتها وأتساءل ترى هل استخدم الأشقاء الأربعة هذا الحكم كورقة موثقة من المحكمة الشرعية بأنهم الورثة الوحيدون لها إن ثلاثة من الذين يجب أن يجيبوا على هذا السؤال هم في ديار الحق الآن وهم عربية وعبد الحليم ومحمد خير والآن أتوجه بالسؤال

ذاته لمن بقي من الأشقاء الأربعة وهم أحمد موفق ومسلّم وأناشدهم تحريك هذا الموضوع من جديد فمع الكفاح والتصميم لا يوجد مستحيل والأمر يستحق المغامرة فالبيت لا يزال قائما إلى الآن ومساحته /650/متر مربع وبحساب بسيط نستطيع تحديد قيمته في المنطقة المذكورة .