كانت جلساتهم تتسم بالشعر والأدب حتى أصبحوا يفتخرون بأنهم باروه بالمساجلة الشعرية فكان منهم من يجيد ذلك ومنهم من يتعدى عليه ولا بد من وجود بعض ضعاف النفوس من المتحدين له مثل الموجه محمد قاروط الذي لم يعترف بتفوق الشاعر عليه بالمساجلة فتحداه أمام الجميع وطلب مباراة شعرية الحكم فيها الشاعرمحمد الحريري وفعلا امتلأت غرفة الموجهين بعددكبيرمن الأساتذة والموجهين الذين يحبون الشعروابتدأت المباراة راح الشاعر يرسل البيت تلو البيت قبل أن ينتهي الآخر من قراءة بيته حتى وصل الأخير إلى مرحلة العجز ولكنه رفض القرار فراح يخلط الأشعارببعضها ليصل على الحرف المطلوب وشعر الجميع بذلك ولكنهم حافظوا على مشاعره فلم يشعروه بذلك ولكنه استمر بعناده بل راح
يتهم الشاعر بما يقوم به هو فلم يبق أمام الشاعر إلا المجابهة على مبدأ من لم يستحي منك فلا تستحي منه فقال له هل تعلم أنني كتبت كل أبياتك المكسرة وجمعتها لأرسلها للأستاذ رضا الشلبي , (وهو مدرس حرفة النجارة وقد اعتاد الجميع أن يرسلوا له المقاعد المكسرة وغيرها من الخشبيات ليقوم بتدريب الطلاب على إصلاحها بالحرفة) ولما سمع الجميع وخاصة الشاعر محمد الحريري ما قاله الشاعر للموجه محمد قاروط ضحكوا جميعا وسخروا من الموجه وهم يقولون والله بتستاهل ماقصّرفيك أبدا, فظهرعلى الموجه الارتباك والخجل وعجز لسانه عن الكلام ولكنه أضمر للشاعر شيئا في نفسه وراح يتحين الفرص للإيقاع به وإحراجه أمام الجميع كما فعل به , وفي أحد الأيام قبل انتهاء الدوام قام الشاعر بتنظيف مخصصاته من قاعات التدريس حيث كانت فارغة بسبب المعامل أو غيره من الأسباب وأقفل القاعات ثم توجه إلى غرفة الموجهين ليضع فيها المفاتيح فإذا هي مليئة بالموجهين والمدرسين وعلى رأسهم الشاعر الحريري والموجه قاروط كان الشاعر يحمل السطل وفيه كريك الزبالة باليد اليسرى والمكنسة باليد اليمنى وقد تراكم الغبار على رأسه ووجهه وثيابه وبنطاله مرفوع حتى ركبتيه, تهلل وجه الموجه قاروط لرؤية الشاعر على هذه الحال فقد حانت ساعة الانتقام فالتفت إلى الجميع قائلا بسخرية لاذعة أجا الشاعر ثم التفت إليه وقال يا أبا صلاح فيك تقول شعر توصف نفسك فيه, ساد الصمت فجأة أرجاء القاعة وتسمرت قدما الشاعر في مكانه وراح يجول برأسه في وجوه الحاضرين الذين فاجأهم الأمر ثم التفت إلى قاروط وقال تكرم عينك يا أستاذ اسمع ثم قال :
عليّ ثياب لو تباع جميعها *** بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفس لو تقاس بمثلها *** نفوس الورى كانت أعزّ وأكبرا
قال ذلك وهو يشير بإصبعه على ثيابه في البيت الأول ويشير على صدره في صدر البيت الثاني ويشير إلى القاروط في عجز البيت الثاني انتفض الجميع عندما سمعوا الشعر وقاموا مشجعين وعلى رأسهم الشاعر محمد الحريري الذي توجه إلى الشاعر قائلا :
لا فض فوك يا أبا صلاح *** ولا عاش من يشنوك
ثم عانقه أمام الجميع.