كانت مدرسة الصناعة الأولى عبارة عن جبخانة للجيش الفرنسي وهي عبارة عن ساحة كبيرة جدا تتجاوز/20-30/دنم تتوسطها حديقة صغيرة وفي مقدمة الساحة (مدخل الإدارة)
عدد من المكاتب التي كانت لقيادة القاعدة الفرنسية وأصبحت غرفا للإدارة والمدرسين و الموجهين وغير ذلك وعلى اليمين أثناء الدخول كانت تنتظم صفوف المدرسة إلى جانب بعضها البعض ابتداء من الإدارة وحتى آخر حدود المدرسة من الجهة الغربية بطول لا يقل عن 150م أما على الشمال أثناء الدخول فكانت هناك الحرف التي تحتل مساحة تعادل مساحة الباحة , المهم في الأمر أن أوصاف المدرسة كما ذكر وخليط طلابها بدءا من الصف السادس(الأول الإعدادي) وحتى الثاني عشر يجعلها ميدانا للعب العنيف وخاصة أن أرضهاوعرة , كان عبد الله غنام يراقب الطالب الفقير ويرصد حركاته في الباحة وكم وجه له التهديدات إذاصادفه يلعب في الباحة وفي أحدالأيام وقعت الطامة الكبرىعندماانزلق هذا الطالب وسقط علىالحصىوالتراب ولسوءحظه كان أمامه الموجه المذكور وربما ارتباكه لرؤيته هوسبب سقوطه فزأرالموجه وغضب وأرغى وأزبد مما جمع طلاب المدرسة حوله وراح يكيل الشتائم والتوبيخ مظهرا أن ثياب الطالب كانت من تقديمه فراح الطالب يرسل العبرات باكيا بمرارة وأسى حتى اضطر أحد الواقفين إلى التدخل وأخذ الثياب من الطالب وإعطائه بدلا عنها ورميها في وجه الموجه , تأثر الشاعر بهذه الحادثة فقال للموجه:
لتقصر هداك اللـه منّك والأذى *** ولا تضـع الأعمال إن كنت تتقي
ولا تتبع الإحسان سوءاً فينطبق *** عليك معاني القول والقول يصدقِ
كمطعمة الأيتام من كدّ فرجـها *** لكِ الويل لا تزني ولا تتصـدقي
وقبل الانتقال لوصف الصناعة أذكر هنا قصيدة قالها الشاعر عندما اشتد عليه العداء من زملائه الأذنة فراح يتذكر عمله في التدريس واحترام الناس له وقتها وما وصل إليه:
مالي شـكوت وما وجدت نصيرا *** وازددت في بؤس الحياة مصيرا
أفنى التصبـر والجهاد محاسني *** وقصائدي سكنت سواي قصورا
وكم امتـدحت من الرجال مهذبا *** بالشعر من نظمي فنلت حصيرا
هل كان شعري من شعير يا ترى *** حتى رآه السـامعون حقيـرا
إني لأرفـع للرئيـس قصيـدة *** سـطرتها بأناملـي تسـطيرا
فقري وآلامي وأطفـالي همـوا *** بدم البراءة سـجّلوا التقـريرا
أصبحت في دار الصناعة آذنـا *** بعد افتخاري بالدروس كثيـرا
إنـي لبحـر عكّرتنـي لهفـة *** فازداد موجي كالجبال شعـورا
يا أفضـل المتأدبين انظر لنـا *** إنا طرقنـا بابك المشـهـورا
وتتعاقب عليه السنين في عمله بمدرسة الصناعة التي وجدحبهاطريقا إلى قلبه الجريح حتى أحب العمل فيها فكان كثيرا ما يتجول بين حرفها في أوقات فراغه ويجلس إلى المدرسين القائمين علىتعليم المهن للطلاب حيث كانوا يطلبون منه ذلك ليقينهم أن وجوده لا يمكن أن يخلو من الشعروالأدب وهكذا وجد في مدرسة الصناعة وسعتها ومعارفه بها سلوى له عما كابده في حياته من المشقات وقد صوّر مشاعره تجاه مدرسة الصناعة فقال :
أنا صانـعٌ دار الصناعة داري *** وجدارها يا صاحبيّ جداري
حييـت يا دار الصنـاعة إنني *** أشدو بمدحك فجر كل نهار
أختـال تيـها كلمـا أرنو إلى *** شبهي بأني الصانع المعماري
فلكم مررت مع الزمان بحرفة *** حتى وصلت إليك في أسفاري
أنت الأنيسـة بعد كل متاعبي *** أنت التي بهواك أطفئ ناري