عزم أحد الملوك على غزو عدوّ له فأرسل جاسوساً ليتعرف على أحوال العدو , ومدى استعداده للحرب فتنبه العدو للجاسوس وقبضوا عليه وأرغموه على كتابة رسالة لمن أرسله ليطمئنهم فيوقعوا بهم , فكتب إلى الملك مايلي:
أما بعد...
فقد أحطت علماً بالقوم وأصبحت مستريحاً من السعي وراء تعرف أحوالهم وإني قد استضعفتهم بالنسبة إليكم وقد كنت أعهد من أخلاق الملك المهلة في الأمور والنظر في العاقبة , ولكن هذا ليس وقت النظر في العاقبة فقد تحققت أنكمك الفئة الغالبة بإذن الله وقد رأيت من أحوال القوم ما يطيب به قلب الملك ( نصحت فدع ريبك , ودع مهلك )
فلما انتهى الكتاب إلى الملك قرأه على رجاله فعزموا على الخروج , ولكن الملك قال :
أريد أن تتأملوا هذا الكتاب فإني شعرت فيه بأمر وإني غير سائر حتى أنظر في أمره .
فقال بعضهم : ما الذي لحظ الملك من الكتاب ؟
قال الملك : إن فلاناً من ذوي الحصافة فقد أنكرت ظاهر لفظه وتأملت فحواه فوجدت في قوله ( أصبحت مستريحاً من السعي ) يريد به أنه محبوس . وقوله : (استضعفتهم بالنسبة إليكم ) يريد أنهم أقوياء . وقوله : ( إنكم الفئة الغالبة بإذن الله) يشير إلى قوله تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) وإني تأملت مابعده فوجدت أنه يريد القلب بالعكس , فقلبت جملة ( نصحت فدع ريبك , ودع مهلك ) فإذا مقلوبها : كلهم عدو كبير , عد فتحصن .