إلى عمر

كان الكثير من أهل التل يلجأون إليه في حل كثير من المشاكل التي كان يتناولها شعرا فيخاف المفتري من ذلك ويرجع عن غيّه وظلمه , سيّما وقد سمعوا عنه عدّة قصائد في الهجاء ,وهذه إحداها في زوج ابنة عمته صبحية واسمه عمرالجرموش(حجازي):

سـفيه القوم يسمى بينهم عمر لكن تبرأ من أفعـاله عمـر

من آل باشا وحاشا أن أمجّدهم فما لهم قيمة في الناس أو قدر

يا قوم قوموا فإن الله ينصركم وحاربوا معشرا بالله قد كفروا

وأبعدوا عن بني الأرحام غائلة فمن تمسّـك بالرحمن ينتصر

فإنهم أهلنـا إن مسّـهم ضرر أو شاكهم شائك أو صابهم قدر

ويقول في آخر واسمه عبد ربه :

تدبّ في الأرض دبّا تسير في الناس عجبا

ما اختارك الله عبدا فاختـر لنفسـك ربا

وقد عارضه أحد المتفيهقين في هذين البيتين واتهمه بالكفر حيث لا يجوز بزعمه أن يقول ( ما اختارك الله عبدا) ولكن سرعان ما أجابه الشاعر من القرآن الكريم قول الله جلّ وعلا@ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما

نتابع شعره في الهجاء فقد قال في آخر واسمه صالح:

هو طالح لا صالح لكنهم غلـ.....طوا فما وضعوا العصا في رأسه

طرفة: لا نزال في رحاب عمله الحر الذي كان يتنقل من خلاله في أرجاء البلاد حيث حط رحاله مرة في حوران وكان برفقته شقيقه الذي هو عديله أحمد موفق أبو عبد الكريم

وغيرهم وكانوا كلّ يوم يذهبون إلى مكان عملهم في الصباح ويعودون مساءً إلى غرفة من الطين يبيتون فيها, ومرّة سمعوا بأن حفلة عرس ستقام ودفعهم حبّ الاستطلاع إلى السؤال عن مكان العرس وإذا بالذي سألوه هو من أصحاب العرس فقام بدعوتهم إليه ,ولما كانوا قد اعتادوا على ولائم التل في الأعراس التي يقدم فيها الطعام طول النهار, قرروا الذهاب إلى الوليمة بعد انتهاء عملهم دون التوقف على الغداء ليكسبوا ساعة الغداء بالعمل وينصرفوا باكرين ,ولكن حساباتهم أخفقت فلم يقدم طعام ولا شراب وكل ما وجدوه هناك هو الغناء والطرب والدبكات إلى أن تأخّر الوقت بهم ليلا فاستأذنوا الحاضرين وغادروا الحفلة ,وكان كلٌّ منهم يسير على حدة وقد أطرق برأسه واجما وقد تهاوت مشيته وتهدلت خطاه إثر ما أصابهم من جوعٍ ونصب , وكان الشاعر شأنه شأن الجميع فإذا بأحدهم يهمس في أذنه قائلا (شو رأيك بهالدعوة ) , وكأن الشاعر كان ينتظر هذه الكلمة ليجيب على الفور:

يا دعوة كانت علينا دعوةً جفّ الطعام بها وغيض الماء

بيضٌ وسودٌ كلما غنّين لي لعبت بي الصفراء والسوداء

ونبقى في منطقة حوران ففي صبا أحد الأيام استيقظ الجميع وخرجوا من غرفتهم فإذا بهم أمام عجوز شمطاء قد جمعت روث البقر وجبلته وعجنته وراحت تشكل منه كرات توزعها حولهم وهذه كانت طريقةصنع الجلّة في حوران (الجلّة:تستعمل وقود بدل الحطب)

لم يعتد أحد منهم على هذا النمط من المعيشة ,فإذا بشقيقه محمد خير يقول (مناظر خلابة)

فانتبه الشاعر لقول أخيه وأجابه على الفور:

أمناظـرٌ خلابةٌ أم خيبـةٌ ذهبـت برونـق الإصباح

حيث الخراء مكوم وموزعٌ من ريحه سيروح بالأرواح

أحببت أن أقدّم هذه الطرف رغم اختلاف مكانها حيث كان الكلام عن التل وآثار الشاعر بها ولكن وللأمانة فيجب التقيّد بالزمن والتاريخ ,فقد كان الشاعر كثير الترحال ولا أستطيع

أن أصوّر ذلك إلا من خلال تداخل الأحداث والأماكن في الأزمنة المتلاحقة.