يدفع
تزايد السكان، وشح الموارد، وتنامي الاحتياجات حول العالم إلى سيادة
ثقافة ترشيد الاستهلاك، حتى أصبحت هذه الثقافة أحد أهم معايير ثقافة
المجتمعات المعاصرة، ما حدا بالدول إلى تنظيم الاستهلاك الفردي والأسري،
كما يتطلب تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ضرورة الاستفادة القصوى
من الموارد البشرية والمادية وتسخيرها لتوفير الصحة والغذاء والثقافة
والتعليم والعمل والعدالة لجميع أفراد المجتمع.
محلياً، ما زالت ثقافة الترشيد محدودة جداً، بل
ما زال الاستهلاك غير المنظم هو النمط السائد في حياتنا مع الأسف..جمعية
حفظ النعمة هي واحدة من الجهات التي أخذت على عاتقها ليس نشر الوعي في هذا
الاتجاه وحسب، بل الممارسة العملية للثقافة الترشيد عبر إعادة إنتاج
المواد المهدرة وتقديمها للمحتاجين بأسلوب حضاري منظم، (الخبر) وقفت مع
المدير العام للجمعية المهندس محمد سعدي سكرية، فكان هذا الحوار....
*لنبدأ من أسباب ومبررات عملكم ووجود جمعيتكم..من الهدر، فهل هو ظاهرة تسترعي الانتباه في مجتمعنا؟
**نعم، نعتقد أنه ظاهرة وموجودة بقوة في
مجتمعنا، فلو أجرينا دراسة بسيطة عن الهدر اليومي الذي يحدث في بيوتنا،
سنخرج بالمؤشرات التالية:
من خلال الدراسات الإحصائية التي قام بها
المكتب المركزي للإحصاء بمشاركة جهات من قبل الأمم المتحدة, من خلال مسح
دخل ونفقات الأسر, وبعد البحث ضمن 30 ألف أسرة, تبين أن نسبة الذين يقل
دخلهم اليومي عن خط الفقر الأدنى نحو 11.4 % (خط الفقر الأدنى حوالى 1500
ليرة شهرياً أي دولار في اليوم)، وأن نسبة السكان الذين يزيد دخلهم عن خط
الفقر الأدنى ولكن دون المستوى المتوسط نحو 19%، وبجمع هاتين النسبتين
نصل إلى 30.4 % وهي نسبة العائلات التي تعاني مشكلات حقيقية في تأمين
احتياجاتها الأساسية الحياتية.
وباعتبار أن عدد سكان سوريا من خلال آخر
إحصائيات عام 2007 هو 19 مليون نسمة، ووفقاً لمعدل النمو السكاني
الطبيعي، فإن عدد السكان الحالي هو نحو 21 مليوناً، وعدد السكان الذين
يعيشون حياة متوسطة وجيدة هم 69.6% أي 14.616 مليون نسمة، كما أن إجمالي
إنفاق الأسرة المتوسطة في سورية هو21048ليرة تتوزع إلى 8553ليرة للغذاء
و12495 ليرة للسلع غير الغذائية، وإذا اعتبرنا أن احتياج الفرد اليومي من
الطعام نحو 1.5 دولار أي 75 ليرة سورية، فإن المصروف اليومي لأسرة مؤلفة
من أربعة أفراد من الطعام نحو 300 ليرة ، أي 9 آلاف ليرة في الشهر وهو
قريب من الرقم 8553 الذي وضعته الجهة الدارسة.
ولو بحثنا في أكياس القمامة للبيوت، نجد أن ثلث
هذه القمامة على الأقل من الطعام، وبالتالي فإن قيمة القمامة المرمية من
الطعام تعادل 100 ليرة يومياً، وباعتبار أن عدد سكان سوريا الذين يعيشون
حياة متوسطة وجيدة هو14616000 نسمة، وأن الأسرة مكونة من أربعة أفراد، فإن
عدد الأسر التي تعيش حياة متوسطة و جيدة يبلغ3.654 أسرة، و هكذا سيكون
لدينا طعاماً يرمى بالقمامة يومياً بقيمة 365.4 مليون ليرة، وإذا ما
استطعنا إضافة هذا المبلغ وتقديمه لشريحة الفقراء 6.384 ملايين نسمة،
سيكون نصيب الفرد نحو 57 ليرة، وبالتالي سيبتعد كثيراً عن خط الفقر، إذ
سيكون دخل الفرد اليومي نحو 107ليرات، أي بدخل شهري 3210 ليرة، وهذا ما
وضع في الخطة الخمسية القادمة.
*إلى أين تريد أن تصل من هذا التحليل؟
**من هنا نجد أن قيمة الهدر الكبير الحاصل ضمن
الأسر المتوسطة كبيرة، كما نجد ضرورة لترشيد الاستهلاك، والحد من الهدر
العام, الذي سيساعد الفقراء بالابتعاد عن خط الفقر الأدنى والأعلى،
وبالتالي هناك ضرورة ملحة لنشر ثقافة جديدة بين المواطنين تعتني بطريقة
عيشهم وطعامهم وشرابهم، ونحن في جمعية حفظ النعمة تنبهنا إلى أهمية ذلك
كله، وبدأنا عملنا بجمع الطعام المتبقي من موائد الحفلات والولائم
واستصلاحه وتقديمه للفقراء بطريقة كريمة لائقة، ثم انتشرت هذه الثقافة
لتعم الدواء والكساء والأثاث.
*كان لافتاً أن الجمعية قد شاركت في دورة معرض دمشق الدولي الأخيرة، فما مبررات هذه المشاركة؟
**سعينا من خلال هذه المشاركة إلى نشر ثقافة
حفظ النعمة بين الناس ،فإذا استطاعت كل عائلة أن تعمم ثقافة الحد من الهدر
والحفاظ على الموارد الحياتية والاستفادة منها بطريقة سليمة فهذا سيشكل
داعمة اقتصادية على مستوى الوطن، كما أننا سعينا أن نزيد عرى التعاون
بيننا وبين المتبرعين من أفراد وجهات خاصة وعامة، وذلك إذا أخذنا بعين
الاعتبار الأزمة الاقتصادية العالمية وما أفرزته من نتائج طال سوريا جزء
منها، إضافة إلى ارتفاع الأسعار خلال العام الماضي بنسبة 30% ، فإن
التبرعات والإيرادات انخفضت، فكان لزاماً على الجمعية أن تحاول زيادة
إيراداتها العينية والنقدية إضافة إلى نشر ثقافة حفظ النعمة.
*هل أفهم من كلامك أن المساعدات المقدمة للفقراء من قبل الجمعية في العام الماضي كانت ضعيفة؟
**لا شك في ذلك، وكما أسلفت, السبب يكمن في
الأزمة الاقتصادية التي أثرت ولو بشكل غير مباشر على التجار، ثم أتت زيادة
الأسعار، التي كان لها دور كبير في تقليل المساعدات المقدمة، فقد كان كيلو
الرز قبل زيادة الأسعار يباع بنحو 25 ليرة، ثم وصل بعد ذلك إلى ما يزيد
على 60 ليرة، ما سبب عبئاً على الجمعية، فإذا كانت العائلة تأخذ وجبة
تموينية من الرز أربعة كيلو غرام تكلفتها 100 ليرة، بعد زيادة الأسعار
أصبحنا عاجزين عن تقديم الوجبة نفسها للعائلة لأنها ستكلف 240ليرة، أي
بزيادة 120 ليرة وهو رقم كبير جداً قياساً بإمكانات الجمعية، وبالتالي فإن
المساعدات العينية الغذائية المقدمة في العام الفائت بلغت 89,598 مليون
ليرة بينما المساعدات في 2007 كانت 116.451 مليون ليرة.
*هل المساعدات تأثرت في الأقسام جميعاً بالوتيرة نفسها؟
**لم تشهد التأثر نفسه، ولكنها في العموم كانت أقل من المتوقع.
*هل هناك مشاريع جديدة تنوي الجمعية القيام بها؟
**نسعى الآن إلى تجهيز مكان واسع لجمع كل أقسام
الجمعية فيه، إذ قدم لنا مجموعة من المتبرعين مشكورين مبنى في منطقة
السبينة، إضافة إلى أنه تم تجهيز صالة لتوزيع الألبسة بحيث يمكن للفقيرة
أن تشعر بمتعة التسوق، وأن تختار الألبسة لها ولأولادها كما تشاء، وكأنها
تقوم بالشراء من أرقى المحال في البلاد، حيث يمكنها اختيار الموديل
والقياس المناسب والألوان. كما أننا جهزنا المبنى بمصبغة حديثة لأجل غسيل
وكي واستصلاح الألبسة المستعملة، إضافة وجود المطبخ الحديث، الذي يستطيع
تقديم وجبات غذائية يومياً بطاقة إنتاجية تصل إلى 30 ألف وجبة، وتم
استخدام هذا المطبخ في مواسم إفطار الصائم خلال الأعوام السابقة، كما
جهزنا قسماً خاصاً من أجل تحضير وفرز الدواء القادم من البيوت والعيادات،
ويمكن أن يستوعب طاقماً فنياً كبيراً، وبالمناسبة فإن قيمة المساعدات
المقدمة العام الماضي من قسم الدواء 34,160 مليون ليرة وكانت كل هذه
الأدوية تذهب هدراً.
*ما هي الأقسام الرئيسة للجمعية؟
**تتألف الجمعية من خمسة أقسام هي:
قسم الغذاء ويقدم الطعام المستصلح، إضافة إلى
الطعام المطبوخ بمطبخ الجمعية، والوجبات التموينية الجافة، وفيه مشاريع
موسمية مثل إفطار الصائم ومشروع الأضاحي، والعام الماضي بدأنا بمشروع جميل
جداً وهو مشروع إفطار الصائم الجوال، فقد جرى توزيع وجبات عند الإفطار على
بعض العقد المرورية والمفارق إذ نجد عند الإفطار ازدحاماً مرورياً كبيراً
من أجل الوصول إلى المنازل قبل الإفطار، وهذا كان يؤدي أحياناً إلى كثير
من الحوادث، فقدمنا وجبات فيها عبوة ماء إضافة إلى بعض التمرات وبعض
الحلوى حسب المتاح.
القسم الثاني هو قسم الأدوية، ويقدم الدواء
بعد فرزه وتحضيره من قبل كادر طبي متخصص وتوزيعه من خلال صيدليتي الجمعية،
وضمن هذا القسم هناك قسم فرعي مميز وهو التجهيزات الطبية، حيث نقوم بأخذ
التجهيزات الطبية وصيانتها وإعارتها للفقراء المرضى، وقد لاقى هذا الفرع
إقبالاً كبيراً لدى المتبرعين والمحتاجين لما يقدم للفقير من خدمة
الاستفادة من الأجهزة التي لا يستطيع استئجارها فضلاً عن شرائها،كما أن
قسم الدواء يقدم الفوط الصحية للمرضى العجزة المحتاجين والحليب حسب المتاح
للأطفال الرضع.
القسم الثالث هو قسم الكساء ويقوم بجمع الملابس
المستعملة وفرزها وغسلها واستصلاحها وتقديمها للفقير بطريقة كريمة لائقة،
فضلاً عن الملابس الجديدة التي تردنا من المعامل والتجار، وهناك فرع
للكساء وهو تجهيز العرائس وتقدم للعروس الفقيرة مجموعة من الألبسة
والاحتياجات التي تتطلبها العروس (الجهاز) كما أنه يقدم فستان الزفاف(بدلة
العرس) على شكل إعارة.
أما قسم الأثاث، فيقوم بتقديم الأثاث بعد جمعه
من البيوت واستصلاحه ضمن ورشات الجمعية، كما يقدم ما يأتيه من تجهيزات من
قبل المعامل، وأخيراً هناك قسم التميز في كفالة اليتيم، والذي كان آخر
الأقسام، والهدف منه أن نقدم الرعاية المادية والاجتماعية والتربوية
لليتيم، فضلاً عن الاستفادة من أقسام الجمعية، بحيث يبقى هذا اليتيم في
بيت أمه حتى لا يحرم حنانها كما حرم حنان والده.
*ما هي الإستراتيجية المستقبلية في عملكم؟
**لدينا إستراتيجية قادمة، ألا وهي أن نقوم
بتحويل الأسر الفقيرة ونقلها من أسر مستهلكة إلى أسر منتجة من خلال إنشاء
ورش تدريب مهنية للذكور والإناث بحيث يختار الفرد مهنة يستطيع من خلالها
أن يعيل نفسه وأسرته, والبناء حالياً في طور الإكساء.
*هل هناك تعاون بينكم وبين الجهات الرسمية؟
**الحقيقة أن كل الجهات التي تعاملنا معها كانت
متعاونة ومتفاعلة بشكل إيجابي وهذا طبعاً برعاية وعناية خاصة من السيد
رئيس الجمهورية، الذي يوجه في كل مناسبة بضرورة إيلاء العمل الاجتماعي كل
اهتمام ورعاية. ودعني أذكر لك أن مشاركتنا في معرض دمشق الدولي هي بطلب من
معاون وزير الاقتصاد الأستاذ غسان العيد الذي طالب بضرورة نشر هذه
الثقافة، وأشير هنا إلى تعاون مدير مؤسسة المعارض وإلى مدير الجناح السوري
فيه عبر تقديم كل التسهيلات الممكنة، وفي هذا السياق أشكر وزيرة الشؤون
الاجتماعية والعمل ورئيس مجلس الوزراء، وبصدق لم نطرق باب أي مؤسسة أو
شركة أو وزارة إلا وجدنا التعاون والمساهمة الناجعة لاحتياجات الجمعية.
*أخيرا، ما هو شعاركم في الجمعية؟
**شعارنا ثروة بلا مال والنعمة احفظها تحفظك