علي نقيض ما يعتقده الكثيرون من ان السعادة الزوجية لاتتحقق في وجود خلافات بين شريكي الحياة, فقد اثبتت دراسات علمية حديثة ان التفاهم التام بين الزوجين في كل امور الحياة هو مفهوم خاطيء وان حدوث الخلافات بل المشاجرات أمر طبيعي يرفع درجة حرارة المحبة بينهما ويبث الحيوية في حياتهما الزوجية بدلا من أن يصيبها الملل والفتور.
هذا ما أكده الدكتور محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر, مشيرا إلي أن العلاقة بين الزوجين تمر بثلاث مراحل أولاها تبدأ من الخطبة حتي مرور السنة الأولي للزواج وتسمي مرحلة التفاعل المؤدب وفيها يميل كل من الخطيبين إلي ابراز واظهار أفضل ما عنده واخفاء العيوب.. فيراعي كل من الطرفين الآخر في كل كبيرة وصغيرة ويحرص علي تذكر المناسبات العامة والخاصة بحبيبه والاحتفال معه بها وتقديم هدايا مناسبة في كل منها مع اطيب وأجمل كلمات الود, وفي هذه المرحلة تبدو العلاقة في ظاهرها بين الطرفين قريبة وحميمة حتي إنك تستطيع أن تقول: لو رأيتهما من بعيد تظنهما عصفورين يناجيان بعضهما لكنهما في الواقع الفعلي بعيدان كل البعد عن بعضهما البعض, فلم ينخرطا بعد في قالب الحياة الزوجية الفعلية حتي نحكم علي عمق هذه العلاقة!!
وبانتهاء هذه المرحلة تبدأ المرحلة الثانية وتسمي بمرحلة الكر.. والفر وتبدأ في السنة الثانية من الزواج وتستمر سنتين أو ثلاث وفي هذه المرحلة تذهب السكرة وتأتي الفكرة حيث تظهر كل العيوب والنقائص التي كانت مخفية والتي كان يحاول كل طرف من الطرفين سترها.. وهكذا تظهر الخلافات بين الزوجين وقد تشتد حتي يصل مداها إلي مستوي الشجار بصوت عال مما يوحي بتردي العلاقة بينهما ولكنها في الواقع تعكس حقيقة ان العلاقة بين الزوجين قد تعمقت وانهما علي وشك الانصهار في بوتقة واحدة بوتقة الحياة الزوجية.
ويوضح الدكتور عويضة أنه في هذه المرحلة يري كل من الزوجين عيوب الآخر ومميزاته في نفس الوقت والشجار يعني محاولة كل منهما التوافق مع خصال وطباع الطرف الآخر أو ضبطها بما يناسب طباعه وخصاله ويدل ذلك علي رغبة كل منهما في استمرار الحياة الزوجية ولو كان حتي عن طريق الشجار.. والخناقات الزوجية دليل حيوي علي حميمية العلاقة وليس برودها ودليل أكبر علي انصهار العلاقة وتحويلها من علاقة فردية أنانية إلي وحدة واحدة اسرية مثلما تنصهر المعادن لتكسب بريق الذهب فلو استمرت مرحلة الخطبة ـ المرحلة الأولي ـ بنفس تفاصيلها ولم ترتق إلي المرحلة الثانية فإن العلاقة الزوجية تتحول إلي علاقة باردة وفاترة وتعني تمسك كل طرف بمواقفه وارائه وافكاره وحياته الماضية وهو أمر لاتقام عليه أسس الأسر القوية السوية.
أما المرحلة الثالثة: فهي تبدأ بعد مرور5 أعوام حتي7 سنوات من الزواج ونسميها مرحلة التزاوج الحقيقي بين الطرفين اللذين أصبحا وحدة أسرية واحدة وصارا نحن بدلا من أنا واصبحت لهذه الأسرة الوليدة هوية وشخصية واحدة لها سماتها وقواعدها وعاداتها وتقاليدها المشتركة أصبح أيضا لديها صداقات مشتركة وليست فردية فتكون الصداقة بين الاسر وليس بين الافراد.
وتبدأ الاسرة الحقيقية في الظهور خلال هذه المرحلة حيث يتحول اهتمام الزوجين الأكبر بابنائهما ليس بنفسيهما بمعني الميكانيزم النفسي المسمي الايثار فطلبات الاولاد واحتياجاتهم والتخطيط لمستقبلهم أهم من احتياجات الابوين الفردية لذلك كثيرا مانسمع عبارة مثل أنا عايش علشان اولادي!! ومع بداية دخول الاولاد للمدارس تتراجع الخناقات الزوجية إلي حدها الادني وتكون في اضعف حالاتها التي تعكس الاختلاف الطبيعي في وجهات النظر, فمهما كان الزوجان قريبين من بعضهما البعض, ولهما اهتمامات مشتركة فإن كلا منهما سيظل محتفظا ببعض الخصوصية التي تحمل السمات الشخصية والرؤي والافكار الخاصة.. ومع أن المرحلة الثالثة تعني ان الزوجية قد تحولت إلي وحدة اسرية واحدة الا أنها لاتعني بأية حال من الاحوال محو شخصية أي منهما, فالعلاقة تتحول إلي علاقة تكامل حقيقي وليس مرحلة ذوبان, فالله سبحانه وتعالي ومن أجل مصلحة الأسرة والأبناء جعل للزوج بعض السمات الخاصة به كذكر وجعل للزوجة سمات شخصية بها كأنثي, وذلك من أجل مصلحة الأبناء ولكي تتكامل شخصيتاهما.
ومن هنا يؤكد د. عويضة أن الخلافات الزوجية ليست دائما دليل شر, ولكن الشر الحقيقي يكمن في استمرار الخلاف واستحكامه وتمسك اي كل طرف بمواقفه وارائه التي تهدد وحدة الأسرة إما بالانفصال البارد كل منهما في غرفة مستقلة أو بالانفصال الصريح في حالات الطلاق.. أما الخناقات الزوجية الايجابية اذا جاز هذا التعبير فهي الخناقات التي تنتهي باتفاق ووجهة نظر ثالثة ترضي الطرفين وتصل بهما إلي مرحلة التكامل في الحياة الزوجية بما يسمي الحل التوافقي.